أثبتت يوميات اللبنانيين أنهم قادرون على التعايش مع الأزمات السياسية والاقتصادية. الاولوية عندهم ان يبقى الامن مضبوطاً، لا غير.
تمر الشهور على الفراغ في رئاسة الجمهورية، فيزداد اعتياد اللبنانيين على عدم وجود رئيس للجمهورية. هو امر غير صحّي، لكنه بات واقعاً. بينما لا تُحبط السهام السياسية التي تطال جلسات حكومة تصريف الأعمال الرسمية او التشاورية، اي اجتماعات يدعو اليها رئيسها نجيب ميقاتي. لم يعد أيُّ بيان سياسي او طائفي انتقادي موجّه ضد رئاسة الحكومة او اي خطوات تُتخذ لمقاطعة دعواتها للانعقاد، تحمل أي تداعيات في الساحة اللبنانية. يدأب رئيس التيار "الوطني الحر" النائب جبران باسيل على التحريض ضد ميقاتي من باب اجتماعات الحكومة، لكن التهجّم على رئاسة مجلس الوزراء لا ينتقص من ادوار ميقاتي الذي يخطو في تصريف الاعمال المطلوب شعبياً، محلياً وخارجياً. عدا عن ان التهجم الباسيلي ضد رئيس الحكومة افاد ميقاتي اسلامياً.
لم ينجح رئيس التيار "الوطني الحر" في الوصول الى نتيجة، لا بشأن اجتماعات الحكومة، ولا حول انتخاب رئيس الجمهورية، علماً ان خطابات التحريض والتعبئة، من دون فائدة: لقد ولّى زمانها، في ظل الحاجة أولاً الى مقررات ضرورية ماليّة واقتصادية تتخذها حكومة تصريف الاعمال، وثانياً لعدم وجود بدائل مُتاحة. صارت الدعوات لعدم انعقاد مجلس الوزراء هامشية الفعالية، وكأنها مجرد ابداء رأي، لا اكثر.
لذا، يمكن الإستنتاج ان عدم انتخاب رئيس للجمهورية، او الدعوة لعدم انعقاد جلسات لمجلس الوزراء، لا تأثير لهما في حسابات اللبنانيين. وفي حال استمر البلد في هذا المسار لن يتغيّر شيء: الاقتصاد يرمّم نفسه سريعاً، والسياحة ستكون ناشطة هذا العام، والامن مضبوط، وقواعد الاشتباك القائمة على الحدود الجنوبية تضمن عدم التفلّت واستبعاد الحرب، رغم تهديدات الاسرائيليين.
هل يمكن ان يستمر هذا الستاتيكو طويلاً؟.
بالشكل، هناك تصلّب فيما يتعلق بإنتخابات رئاسة الجمهورية يُطيح لغاية الآن بإمكانية الخروج من الازمة: تتجه احزاب "الوطني الحر"، "القوات"، و"الكتائب" الى ترشيح الوزير السابق زياد بارود، وهو اسم مطروح للرئاسة من قبل نواب في مجموعة "التغييريين" ايضاً. لكن هذا التبنّي قد لا يقود الى مخرج للأزمة، بإعتبار ان كلاّ من المرشحيْن رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية وبارود، قد لا يصل الى ما يزيد عن ٦٤ نائباً، خصوصاً في حال تبنّى الحزب "التقدمي الاشتراكي" مرشحاً ثالثاً.
توحي كل المعطيات ان باسيل سيستخدم تلك الورقة لإجبار "الثنائي الشيعي" على طي صفحة فرنجيّة والتفاوض معه بشأن الرئيس العتيد للجمهورية. لكن المعلومات تفيد ان الثنائي لن يتنازل عن تبنّي ترشيح رئيس تيار "المردة"، ومن هنا جاءت دعوة الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله الى "النقاش من دون شروط"، وهي رسالة موجّهة لباسيل حصراً الذي كان طلب من الحزب التخلي عن ترشيح فرنجيّة كشرط للنقاش في الانتخابات الرئاسية.
تتحدث المعلومات عن وجود سيناريوهات عدة:
-اولاً، مشاركة الكتل النيابية في جلسة يدعو اليها رئيس المجلس النيابي نبيه بري خلال الايام الاولى من شهر حزيران، وتُستخدم فيها الورقة البيضاء من دون نتيجة.
-ثانياً، تتبنى كتل "الترويكا المارونية" ترشيح بارود، في مواجهة فرنجيّة، فلا ينال احدهما الاصوات المطلوبة للفوز.
-ثالثاً، ينجح "حزب الله" في إقناع باسيل بإنتخاب فرنجيّة، وهو امر يستبعده "الوطني الحر" بشكلٍ حازم حالياً.
-رابعاً، يستطيع فرنجية وحلفاؤه جذب اصوات المتردّدين لتأمين ٦٥ نائباً. وهو امر وارد جداً نتيجة وجود بيئة مؤاتية.
-خامساً، ينجح كل معارضي فرنجية في جمع اصواتهم لتأمين العدد المطلوب لإنتخاب منافس له.
لا يبدو ان المسار الانتخابي واضح، وفي حال تواصل التصلّب، فإن الفراغ مفتوح من دون تحديد زمان لنهايته.
عندها، سيشدّد المجتمع الدولي على عدم وجود شغور في مركزين اساسيين: حاكميّة مصرف لبنان وقيادة الجيش. وهو ما يعني الاميركيين تحديداً.
واذا كان وجود نائب الحاكم الاول يعني استمرار عمل مؤسسة المصرف المركزي، بعد انتهاء ولاية الحاكم الحالي رياض سلامة نهاية تموز المقبل، التزاماً بما ينص عليه قانون النقد والتسليف. فإن الشغور في رئاسة الاركان في الجيش يسمح لوزير الدفاع عند انتهاء ولاية العماد جوزاف عون بعد سبعة اشهر، بتكليف ضابط لقيادة المؤسسة العسكرية، تكراراً لتجربة وزير الدفاع الاسبق عادل عسيران بتكليفه العميد سامي الخطيب عام 1988.
ولنفترض ان الشغور الرئاسي طال، وان البلد مضى في طريق التكليف ومنع الشغور بالمراكز الحسّاسة، واستمرت الحكومة تصرّف الاعمال وتتخذ القرارات الضرورية، فمن يضمن عدم بقاء هذا الستاتيكو؟.